فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {وعباد الرحمن} قيل هذه الإضافة للتخصيص، والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله {الذين يمشون على الأرض هونًا} يعني بالسكينة والوقار متواضعين غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين بل علماء حكماء، أصحاب وقار وعفة {وإذا خاطبهم الجاهلون} يعني السفهاء بما يكرهونه {قالوا سلامًا} يعني سدادًا من القول يسلمون فيه لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا ولم يجهلوا وليس المراد منه السلام المعروف وقيل هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ثم نسختها آية القتال ويروى عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: هذا وصف نهارهم ثم إذا قرأ {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} قال هذا وصف ليلهم، والمعنى يبيتون لربهم في الليل بالصلاة سجدًا على وجوههم وقيامًا على أقدامهم.
قال ابن عباس، من صلّى بعد العشاء الأخيرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدًا وقائمًا م: عن عثمان بن عفان: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».
قوله: {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا} أي ملحًا دائمًا لازمًا غير مفارق من عذب من الكفار.
قال محمد بن كعب القرظي: سأل الله الكفار ثمن نعمته فلم يؤدوه فأغرمهم فبقوا في النار، وقال كل غريم مفارق غريمه إلا جنهم.
وقيل: الغرام الشر اللازم والهلاك الدائم {إنها} يعني جهنم {ساءت} بئست {مستقرًا ومقامًا} أي موضع قرار وإقامة {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قيل الإسراف النفقة في معصية الله، وإن قلت والإقتار منع حقوق الله تعالى وهو قول ابن عباس.
وقيل: الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق، حتى يدخل في حد التبذير والإقتار التقصير عما لابد منه وهو أن لا يجيع عياله ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف {وكان بين ذلك قوامًا} أي قصدًا وسطًا بين الإسراف والإقتار وحسنة بين السيئتين قيل: هذه الآية في صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون الطعام للتنعم واللذة لا يلبسون ثوبًا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ومن الثياب ما يسترون به العورة، ويقيهم من الحر والبرد.
قال عمر بن الخطاب كفى سرفًا أن لا يشتهي شيئًا إلا اشتراه فأكله {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} ق: عن ابن عباس أن أناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذين تقول وتدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} ونزل {قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} ق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله: قال: «تدعوا لله ندًا وهو خلقك، قال: ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله تعالى تصديقه: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم إلا بالحق ولا يزنون} {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} أي ومن يفعل شيئًا من ذلك يلق أثامًا قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم، وقيل عقوبة وقيل: الأثام واد في جهنم ويروى في الحديث «أن الغي والأثام بئران في جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» {يضاعف له العذاب يوم القيامة} وسبب تضعيف العذاب، أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك يضاعف له العذاب على شركه ومعصيته {ويخلد فيه مهانًا} أي ذليلًا.
قوله تعالى: {إلا من تاب} أي عن ذنبه {وآمن} يعني بربه {وعمل عملًا صالحًا} أي فيما بينه وبين ربه روي عن ابن عباس عنهما قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} الآية ثم نزلت {إلا من تاب} فما رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فرح بشء قط مثل ما فرح بها وفرحه ب {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
وقوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا} قال ابن عباس: يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانًا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانًا وقيل يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة م عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، وآخر أهل النار خروجًا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر، وهو شفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له إن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا فقال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وقيل إن الله تعالى يمحو بالندم جميع السيئات ثم ثبت مكان كل سيئة حسنة».
{ومن تاب وعمل صالحًا} قيل هذا في التوبة من غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ومعناه، ومن تاب من الشرك وعمل صالحًا يعني أدّى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن {فإنه يتوب إلى الله} أي يعود إليه بعد الموت {متابًا} أي حسنًا يفضل على غيره ممن قتل وزنى فالآية الأولى وهي قوله: ومن تاب رجوع عن الشرك والثانية رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة.
وقيل: هذه الآية أيضًا في التوبة عن جميع اليسئات ومعناه من أراد التوبة، وعزم عليها فليتب إلى الله فقوله يتوب إلى الله خبر بمعنى الأمر أي تب إلى الله وقيل معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله تعالى.
قوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} يعني الشرك وقيل هي شهادة الزور ق عن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه ويطوف به في الأسواق وقيل: لا يشهدون الزور يعني أعياد المشركين وقيل: الكذب وقيل: النوح وقيل لا يساعد أهل الباطل على باطلهم وقيل الزور اللهو واللعب والغناء.
قال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وأصل الزور حقيقة تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق {وإذا مرو باللغو} هو كل ما يجب أن يلغى ويترك {مروا كرامًا} يعني إذا سمعوا من الكافر الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا فعلى هذا التفسير، تكون الآية منسوخة بآية القتال.
وقيل: اللغو المعاصي كلها، والمعنى إذا مروا بمجالس اللهو والباطل مروا كرامًا أي مسرعين معرضين، وهو أن ينزه المرء نفسه ويكرمها عن هذه المجالس السيئة {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا} قيل: معناه أنه ليس فيه نفي الخرور إنما هو إثبات له ونفي الصمم والعمى والمعنى إذا ذكروا بها أكبوا على استماعها بأذان واعية وأقبلوا على المذكر بها بعيون مبصرة راعية.
وقيل: معناه لم يخروا أي لم يسقطوا ولم يقعوا عليها صمًا وعميانًا، كأنهم بآذانهم صمم وبأعينهم عمى بل يسمعون ما يذكرون به، فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه.
قوله: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} يعني أبرارًا فيقرون أعيننا بذلك قيل: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته، وأولاده مطيعين لله فيطمع أن يحلوا معه في الجنة فيتم سروره، وتقر عينه بذلك وقيل: إن العرب تذكر قرة العين عند السرور والفرح وسخنة العين عند الغم والحزن.
ويقال: دمع العين عند السرور والفرح بارد وعند الحزن حار وقيل معنى قرة العين أن صادف قلبه من يرضاه، فتقر عينه به عن النظر إلى غيره {واجعلنا للمتقين إمامًا} يعني يقتدون في الخير بنا.
وقيل: معناه تقتدي بالمتقين وتقتدي بنا المتقون وقال ابن عباس: اجعلنا أئمة هدى وقيل: معناه أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعات المبلغ الذي يشار إليهم فيه ويقتدي بهم.
قال بعضهم: فيه دليل على أن الرياسة في الدين مطلوبة مرغوب فيها وقيل هذا من المقلوب معناه، واجعل المتقين لنا إمامًا واجعلنا مقتدين مؤتمين بهم {أولئك يجزون} أي يثابون {الغرفة} الدرجة العالية الرفيعة في الجنة وقيل: يريد غرف الدر والزبرجد واللؤلؤ والياقوت في الجنة {بما صبروا} يعني على طاعة الله تعالى وأوامره وعلى أذى المشركين وقيل: بما صبروا عن الشهوات {ويلقون فيها تحية} أي ملكًا وقيل بقاء دائمًا {وسلامًا} أي يسلم بعضهم على بعض أو يرسل الرب إليهم السلام وقيل سلامًا أي سلامة من الآفات.
قوله تعالى: {خالدين فيها حسن مستقرًا ومقامًا} أي موضع قرار وإقامة.
قوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي} أي ما يصنع ما يفعل بكم فوجودكم وعدمكم سواء، وقيل: معناه أي وزن مقدار لكم عنده {لولا دعاؤكم} إياه.
قيل معناه لولا عبادتكم إياه وقيل: لولا إيمانكم وقيل لولا دعاؤه إياكم إلى الإيمان فإذا آمنتم ظهر لكم عنده قدر.
وقيل: معناه ما يعبأ أي ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة.
وقيل معناه ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني، فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم {فقد كذبتم} أيها الكافرون يخاطب أهل مكة يعني أن الله دعاكم إلى توحيده وعبادته على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبتم الرسول ولم تجيبوه إلى الإيمان {فسوف يكون لزامًا} هذا تهديد لهم أي يكون تكذيبهم لزامًا قال ابن عباس: موتًا وقيل هلاكًا وقيل: قتالًا والمعنى يكون التكذيب لازمًا لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله.
وقيل: معناه عذابًا دائمًا وهلاكًا لازمًا لمن كذب مفنيًا يلحق بعضكم بعضًا وقيل: هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازمًا لهم ق عن عبد الله بن مسعود قال «خمس قد مضين الدخان واللزام والروم والبطشة والقمر وفي رواية الدخان والقمر والروم واللزام والبطشة» والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

{وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين} خلاّهما متجاورين متلاصقين. تقول: مرجت الدابة إذا خليتها ترعى، وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين {هذا} أي أحدهما {عَذْبٌ فُرَاتٌ} صفة ل {عذب} أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} صفة ل {ملح} أي شديد الملوحة {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} حائلًا من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج فهما في الظاهر مختلطان وفي الحقيقة منفصلان {وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} وسترًا ممنوعًا عن الأعين كقوله: {حجابًا مستورا} [الإسراء: 45].
{وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء} أي النطفة {بَشَرًا} إنسانًا {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} أراد تقسيم البشر قسمين: ذوي نسب أي ذكورًا ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر أي إناثًا يصاهر بهن كقوله تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39] {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} حيث خلق من النطفة الواحدة بشرًا نوعين ذكرًا وأنثى.
وقيل: فجعله نسبًا أي قرابة وصهرًا مصاهرة يعني الوصلة بالنكاح من باب الأنساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ} إن عبدوه {وَلاَ يَضُرُّهُمْ} إن تركوه {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ} على معصية ربه {ظَهِيرًا} معينًا ومظاهرًا.
وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون والمظاهرة المعاونة، والمعنى أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمؤمنين {وَنَذِيرًا} منذرًا للكافرين.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التبليغ {مِنْ أَجْرٍ} جعل {إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ سَبِيلًا} والمراد إلا فعل من شاء واستثناؤه من الأجر قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوابًا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه، فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صورة بصورة الثواب كأنه يقول: إن حفظت مالك اعتدّ حفظك بمنزلة الثواب لي ورضائي به كرضا المثاب بالثواب، ولعمري إنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد.